عنوان مقترح: مخطط المغرب الأخضر: بين الإخفاقات الاجتماعية والبيئية وبدائل التنمية المستدامة
شهد المغرب إطلاق “مخطط المغرب الأخضر” في عام 2008 كاستراتيجية وطنية تهدف إلى تحقيق التنمية الزراعية المستدامة وتعزيز مساهمة القطاع الزراعي في الاقتصاد الوطني. إلا أن هذه الخطة، التي رُوِّج لها باعتبارها خطوة تقدمية، أثارت انتقادات واسعة من العديد من الأطراف، خاصة من حيث تأثيراتها السلبية على الفئات الهشة من المجتمع المغربي والبيئة. في هذا التقرير، سنستعرض أهم المشاكل والسلبيات التي خلفها هذا المخطط، ونقترح بدائل مستدامة تعكس تطلعات العدالة الاجتماعية والمساواة.
المشاكل والسلبيات
1. تفاقم الفوارق الاجتماعية والاقتصادية
– ركز المخطط بشكل كبير على دعم الفلاحة التصديرية التي تستفيد منها شركات كبرى ومالكو الأراضي الزراعية الواسعة، بينما تم تهميش صغار الفلاحين. هذا التوجه خلق فجوة متزايدة بين الفلاحين الصغار والأثرياء في القطاع الزراعي.
– أدى تركيز الموارد على زراعات موجهة للتصدير مثل الأفوكادو والحوامض إلى رفع قيمة الأراضي الزراعية وتقليل إمكانية وصول الفلاحين الصغار إليها، مما حرمهم من فرص التوسع الزراعي.
– تسبب هذا التوجه أيضًا في خلق وظائف مؤقتة وغير مستقرة ذات أجور منخفضة، مما فاقم الأوضاع الاجتماعية في المناطق القروية.
2. التدهور البيئي
– اعتمد المخطط على زراعات تتطلب كميات كبيرة من المياه، ما أدى إلى استنزاف المخزونات المائية في بلد يعاني أصلاً من الجفاف. في بعض المناطق، أدى هذا الاستنزاف إلى تفاقم النزاعات حول المياه.
– الاستخدام المكثف للمبيدات والأسمدة الكيميائية أدى إلى تلوث خطير للتربة والمياه الجوفية، ما أثر سلبًا على النظم البيئية المحلية وصحة السكان.
– زادت معدلات إزالة الغابات لتوسيع المساحات الزراعية، مما أدى إلى فقدان التنوع البيولوجي وزيادة مخاطر التصحر.
3. إقصاء الفلاحين الصغار والنساء القرويات
– توجه المخطط نحو دعم المشاريع الكبرى والمستثمرين الأجانب، مما أدى إلى تقليص فرص صغار الفلاحين في الحصول على دعم مالي وتقني. العديد من الفلاحين الصغار وجدوا أنفسهم مضطرين لمغادرة أراضيهم بسبب عدم قدرتهم على التنافس.
– النساء القرويات، اللواتي يشكلن جزءًا كبيرًا من القوى العاملة الزراعية، لم يحصلن على الدعم الكافي لتعزيز دورهن الاقتصادي، مما أدى إلى استمرار التهميش الاجتماعي والاقتصادي لهذه الفئة.
– تجاهل المخطط الممارسات الزراعية التقليدية التي تحافظ على التوازن البيئي، مما أدى إلى فقدان تقنيات محلية مستدامة.
4. ضعف الأمن الغذائي المحلي
– سياسات المخطط التي شجعت على زراعة محاصيل موجهة للتصدير مثل الفواكه والخضروات على حساب المحاصيل الغذائية الأساسية أدت إلى تراجع الاكتفاء الذاتي الغذائي.
– زادت واردات المغرب من الحبوب والمحاصيل الأساسية، مما جعل الأمن الغذائي عرضة لتقلبات السوق العالمية وأزمات الاستيراد.
– غياب استراتيجية واضحة لدعم زراعة المحاصيل الغذائية أثر سلبًا على استقرار أسعار الغذاء داخل السوق المحلي.
البدائل المقترحة
1. توجيه الدعم لصغار الفلاحين
– يجب أن تُعاد هيكلة الدعم الحكومي ليشمل صغار الفلاحين بشكل عادل، مع تقديم حوافز لتشجيع الزراعة المستدامة والمحلية، في البرازيل، أطلقت الحكومة برنامج “شراء الغذاء المحلي” (PAA) الذي يوجه الدعم لصغار الفلاحين ويضمن شراء منتجاتهم للمؤسسات العامة كالمدارس والمستشفيات.
– تعزيز التكوين المهني والتقني للفلاحين الصغار لتطوير مهاراتهم وزيادة إنتاجيتهم، في الهند، توفر الحكومة برامج تدريبية لصغار المزارعين لتحسين مهاراتهم الزراعية واستخدام تقنيات حديثة.
– دعم إنشاء التعاونيات الزراعية التي تتيح للفلاحين الصغار فرصة التفاوض بشكل أفضل في السوق، كوبا مثلا تركز على الاقتصاد التشاركي وتحسين الشروط الاقتصادية لصغار الفلاحين.
2. تبني الزراعة المستدامة
– يجب اعتماد تقنيات حديثة ومستدامة في الزراعة، مثل استخدام الأسمدة العضوية وتقنيات إدارة المياه بشكل أكثر كفاءة. مشروع الزراعة العضوية في ألمانيا، يشجع استخدام الأسمدة الطبيعية لتقليل الأثر البيئي.
– تعزيز حملات التشجير وإعادة تأهيل الأراضي الزراعية المتدهورة للحفاظ على التنوع البيئي، في إثيوبيا، نفذت برامج واسعة لإعادة تشجير الأراضي المتصحرة ضمن مشروع “الاقتصاد الأخضر المرن للمناخ”.
– تشجيع الأبحاث الزراعية التي تركز على تطوير حلول مستدامة تراعي الخصائص البيئية لكل منطقة. مثلا المراكز البحثية الزراعية في هولندا التي تطور تقنيات زراعية مستدامة.
3. تعزيز الأمن الغذائي المحلي
– إعادة توجيه الإنتاج الزراعي نحو المحاصيل الغذائية الأساسية مثل الحبوب والبقوليات لضمان الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الاستيراد. الحكومة فيتنام اعتمدت برنامجًا يركز على زراعة الأرز لدعم الأمن الغذائي المحلي وتصديره في نفس الوقت.
– إنشاء شبكات توزيع محلية تقلل من الهدر الغذائي وتضمن وصول المنتجات إلى جميع الفئات بأسعار معقولة. كمثال على ذلك مبادرات الأسواق المحلية في فرنسا، مثل “AMAP”، التي تتيح للمزارعين بيع منتجاتهم مباشرة للمستهلكين.
– تقديم دعم مالي مباشر للمزارعين الذين يركزون على زراعة المحاصيل الغذائية الأساسية. دعم مزارعي القمح في مصر لضمان استقرار إنتاج هذا المحصول الاستراتيجي.
4. إشراك جميع المتدخلين المحليين في اتخاذ القرارات
– يجب أن يتم إشراك الفلاحين الصغار والمجتمعات المحلية في صياغة وتنفيذ السياسات الزراعية لضمان تحقيق العدالة. في بوليفيا، تم إنشاء مجالس محلية لإشراك المزارعين في اتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسات الزراعية.
– إنشاء لجان محلية تتولى مراقبة تنفيذ السياسات الزراعية وتقديم توصيات لتحسينها بما يخدم الجميع. في الهند تشرف لجان التنمية الريفية على تطبيق سياسات الزراعة على المستوى المحلي.
– تعزيز الشفافية في توزيع الموارد والدعم لضمان وصولها إلى الفئات المستحقة. تُنظم النرويج، موارد الدعم الزراعي من خلال أنظمة شفافة تتيح مراقبة توزيع الأموال والموارد.
إن مخطط المغرب الأخضر، رغم أهدافه المعلنة، أظهر انحيازه للفئات الميسورة والشركات الكبرى على حساب الفلاحين الصغار والمجتمعات القروية. لتحقيق تنمية زراعية حقيقية ومستدامة، يجب إعادة النظر في هذه الاستراتيجية واعتماد مقاربات تضمن العدالة الاجتماعية وحماية البيئة. الزراعة ليست مجرد قطاع اقتصادي، بل هي أساس للسيادة الغذائية والعدالة الاجتماعية التي يجب أن تكون في صلب أي مشروع تنموي.